الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)
{انظر كيف نصرّف الآيات ثم هم يصدفون}..وهو تعجيب مصحوب بمشهد الصدوف! المعروف عند العرب، والذي يذكرهم بمشهد البعير المؤوف! فيثير في النفس السخرية والاستخفاف والعزوف!وقبل أن يفيقوا من تأثير ذلك المشهد المتوقع يتلقاهم بتوقع جديد، ليس على الله ببعيد، يريهم فيه مصارعهم- وهم الظالمون: أي المشركون- وهو يرسم مصارع الظالمين حين يباغتهم عذاب الله أو يواجههم؛ وحين يأتيهم على غرة أو وهم مستيقظون:{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون}..إن عذاب الله يأتي في أية صورة وفي أية حالة. وسواء جاءهم العذاب بغتة وهم غارون لا يتوقعونه، أو جاءهم جهرة وهم صاحون متأهبون. فإن الهلاك سيحل بالقوم الظالمين- أي المشركين كغالبية التعبير في القرآن الكريم- وسينالهم هم دون سواهم. ولن يدفعوه عن أنفسهم سواء جاءهم بغتة أو جهرة. فهم أضعف من أن يدفعوه ولو واجهوه! ولن يدفعه عنهم أحد ممن يتولونهم من الشركاء. فكلهم من عبيدالله الضعفاء!وهو توقع يعرضه السياق عليهم ليتقوه، ويتقوا أسبابه قبل أن يجيء. والله- سبحانه- يعلم أن عرض هذا التوقع في هذا المشهد يخاطب الكينونة البشرية خطاباً تعرفه في قرارتها، وتعرف ما وراءه من حقيقة ترجف لها القلوب!وحين تبلغ الموجة أقصى مدها، بعرض هذه المشاهد المتوالية، والتعقيبات الموحية، والإيقاعات التي تحمل الإنذار إلى أعماق السرائر.تختم ببيان وظيفة الرسل، الذين تطالبهم أقوامهم بالخوارق، وإن هم إلا مبلغين، مبشرين ومنذرين، ثم يكون بعد ذلك من أمر الناس ما يكون، وفق ما يتخذونه لأنفسهم من مواقف يترتب عليها الجزاء الأخير:{وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسّهم العذاب بما كانوا يفسقون}..لقد كان هذا الدين يعد البشرية للرشد العقلي، ويؤهلها لاستخدام هذه الأداة العظيمة التي وهبها الله للإنسان استخداماً كاملاً في إدراك الحق الذي تنبث آياته في صفحات الوجود، وفي أطوار الحياة، وفي أسرار الخلق؛ والذي جاء هذا القرآن لكشفه وتجليته وتوجيه الإدراك البشري إليه..وكان هذا كله يقتضي الانتقال بالبشرية من عهد الخوارق الحسية؛ التي تلوي الأعناق وتجبر المنكرين على الإذعان، أمام القهر بالخارقة المادية البادية للعيان! إلى توجيه الإدراك البشري لملاحظة بدائع الصنعة الإلهية في الوجود كله. وهي في ذاتها خوارق معجزة.. ولكنها خوارق دائمة يقوم عليها كيان الوجود، ويتألف منها قوامه وإلى مخاطبة هذا الإدراك بكتاب من عند الله باهر معجز في تعبيره ومعجز في منهجه ومعجز في الكيان الاجتماعي العضوي الحركي الذي يرمي إلى إنشائه على غير مثال. والذي لم يلحق به من بعده أي مثال!وقد اقتضى هذا الأمر تربية طويلة، وتوجيهاً طويلاً، حتى يألف الإدراك البشري هذا اللون من النقلة، وهذا المدى من الرقي؛ وحتى يتجه الإنسان إلى قراءة سفر الوجود بإدراكه البشري، في ظل التوجيه الرباني، والضبط القرآني، والتربية النبوية.. قراءة هذا السفر قراءة غيبية واقعية إيجابية في آن واحد، بعيدة عن منهج التصورات الذهنية التجريدية التي كانت سائدة في قسم من الفلسفة الإغريقية واللاهوت المسيحي؛ وعن منهج التصورات الحسية المادية التي كانت سائدة في قسم من تلك الفلسفة وفي بعض الفلسفة الهندية والمصرية والبوذية والمجوسية كذلك، مع الخروج من الحسية الساذجة التي كانت سائدة في العقائد الجاهلية العربية!وجانب من تلك التربية وهذا التوجيه يتمثل في بيان وظيفة الرسول، وحقيقة دوره في الرسالة على النحو الذي تعرضه هاتان الآيتان- كما ستعرضه الموجة التالية في سياق السورة- فالرسول بشر، يرسله الله ليبشر وينذر، وهنا تنتهي وظيفته، وتبدأ استجابة البشر، ويمضي قدر الله ومشيئته من خلال هذه الاستجابة، وينتهي الأمر بالجزاء الإلهي وفق هذه الاستجابة.. فمن آمن وعمل صالحاً يتمثل فيه الإيمان، فلا خوف عليه مما سيأتي ولا هو يحزن على ما أسلف. فهناك المغفرة على ما أسلف، والثواب على ما أصلح.ومن كذب بآيات الله التي جاءه بها الرسول، والتي لفته إليها في صفحات هذا الوجود. يمسهم العذاب بسبب كفرهم، الذي يعبر عنه هنا بقوله: {بما كانوا يفسقون} حيث يعبر القرآن غالباً عن الشرك والكفر بالظلم والفسق في معظم المواضع..تصور واضح بسيط لا تعقيد فيه ولا غموض. وبيان محكم عن الرسول ووظيفته وحدود عمله في هذا الدين.. تصور يفرد الله سبحانه بالألوهية وخصائصها؛ ويرد إلى مشيئة الله وقدره الأمر كله، ويجعل للإنسان- من خلال ذلك- حرية اتجاهه وتبعة هذا الاتجاه، ويبين مصائر الطائعين لله والعصاة بياناً حاسماً؛ وينفي كل الأساطير والتصورات الغامضة عن طبيعة الرسول وعمله، مما كان سائداً في الجاهليات.. وبذلك ينقل البشرية إلى عهد الرشد العقلي؛ دون أن يضرب بها في تيه الفلسفات الذهنية، والجدل اللاهوتي، الذي استنفذ طاقة الإدراك البشري أجيالاً بعد أجيال!!!
.تفسير الآيات (50- 55): {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}هذه الموجة بقية في مواجهة المشركين بحقيقة الرسالة، وطبيعة الرسول؛ بمناسبة طلبهم للخوارق- التي ذكرنا نماذج منها في الفقرة السابقة في هذا السياق- وبقية في تصحيح التصورات الجاهلية- والبشرية بصفة عامة- عن الرسالات والرسل؛ بعدما عبثت بهذه التصورات جاهليات العرب وغيرهم من الأمم حولهم؛ فابتعدت بها عن حقيقة الرسالة وحقيقة النبوة، وحقيقة الوحي، وحقيقة الرسول؛ ودخلت بها في خرافات وأساطير وأوهام وأضاليل؛ حتى اختلطت النبوة بالسحر والكهانة، واختلط الوحي بالجن والجنون أيضاً! وأصبح يطلب من النبي أن يتنبأ بالغيب؛ وأن يأتي بالخوارق؛ وأن يصنع ما عهد الناس أن يصنعه صاحب الجن والساحر!.. ثم جاءت العقيدة الإسلامية لتقذف بالحق على الباطل فتدمغه فإذا هو زاهق، ولترد إلى التصور الإيماني وضوحه وبساطته وصدقه وواقعيته، ولتخلص صورة النبوة وصورة النبي من تلك الخرافات والأساطير والأوهام والأضاليل، التي شاعت في الجاهليات كلها. وكان أقربها إلى مشركي العرب جاهليات أهل الكتاب من اليهود والنصارى على اختلاف الملل والنحل بينهم، وكلها تشترك في تشويه صورة النبوة وصورة النبي أقبح تشويه!وبعد بيان حقيقة الرسالة وحقيقة الرسول، وتقديمها للناس مبرأة من كل ما علق بصورة النبوة وصورة النبي من أوهام وأضاليل. يقدم القرآن عقيدته للناس مجردة من كل إغراء خارج عن طبيعتها، ومن كل زينة زائدة عن حقيقتها.. فالرسول الذي يقدمها للناس بشر، لا يملك خزائن الله، ولا يعلم الغيب، ولا يقول لهم: إني ملك.. وهو لا يتلقى إلا من ربه، ولا يتبع إلا ما يوحى إليه منه. والذين يقبلون دعوته هم أكرم البشر عند الله، وعليه أن يلزمهم، وأن يهش لهم، وأن يبلغهم ما كتبه الله لهم على نفسه من الرحمة والمغفرة. كما أن عليه إنذار الذين تتحرك ضمائرهم من خشية الآخرة؛ ليصلوا إلى مرتبة التقوى، وفي هذا وذلك تنحصر وظيفته، كما أنه في البشرية وفي تلقي الوحي تنحصر حقيقته. فتصح في التصورات حقيقته ووظيفته جميعاً.. ثم إنه بهذا التصحيح، وبهذا الإنذار، تستبين سبيل المجرمين، عند مفرق الطريق، ويتضح الحق والباطل، وينكشف الغموض والوهم حول طبيعة الرسول وحول حقيقة الرسالة، كما ينكشف الغموض حول حقيقة الهدى وحقيقة الضلال، وتتم المفاصلة بين المؤمنين وغير المؤمنين في نور وفي يقين.وفي ثنايا الإفصاح عن هذه الحقائق يعرض السياق جوانب من حقيقة الألوهية، وعلاقة الرسول بها، وعلاقة الناس جميعاً- الطائعين منهم والعصاة- ويتحدث عن طبيعة الهدى وطبيعة الضلال عن هذه الحقيقة. فالهدى إليها بصر والضلال عنها عمى. والله كتب على نفسه الرحمة متمثلة في التوبة على عباده والمغفرة لما يرتكبونه من المعاصي في جهالة متى تأبوا منها وأصلحوا بعدها.وهو يريد أن تستبين سبيل المجرمين، فيؤمن من يؤمن عن بينة، ويضل من يضل عن بينة، ويتخذ الناس مواقفهم في وضوح لا تغشيه الأوهام والظنون..{قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}..لقد كان المعاندون من قريش يطلبون أن يأتيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من الخوارق يصدقونه بها- وهم كانوا كما أسلفنا يعلمون صدقه ولا يشكون فيه- وتارة كانوا يطلبون أن تكون هذه الآية تحويل الصفا والمروة ذهباً! وتارة تكون إبعادهما عن مكة ليصبح مكانهما خصباً مخضراً بالزروع والثمار! وتارة تكون إنباءهم بما سيقع لهم من أحداث مغيبة! وتارة تكون طلب إنزال ملك عليه! وتارة تكون طلب كتاب مكتوب في قرطاس يرونه يتنزل عليه من السماء.. إلى آخر هذه المطالب التي يوارون وراءها تعنتهم وعنادهم!ولكن هذه المطالب كلها إنما كانوا يصوغون فكرتها من تلك الأوهام والأساطير التي أحاطت بصورة النبوة وصورة النبي في الجاهليات من حولهم، وأقربها إليهم أوهام أهل الكتاب وأساطيرهم حول النبوة، بعدما انحرفوا عما جاءتهم به رسلهم من الحق الواضح في هذه الأمور..ولقد شاعت في الجاهليات المتنوعة صور من النبوءات الزائفة، يدعيها متنبئون ويصدقها مخدوعون.. ومن بينها نبوءات السحر والكهانة والتنجيم والجنون! حيث يدعي المتنبئون قدرتهم على العلم بالغيب، والاتصال بالجن والأرواح، وتسخير نواميس الطبيعة بالرقى والتعاويذ، أو بالدعوات والصلوات، أو بغيرها من الوسائل والأساليب. وتتفق كلها في الوهم والضلالة، وتختلف بعد ذلك في النوع والشكل والمراسم والأساليب.فنبوءة السحر يغلب عليها أنها موكلة بالأرواح الخبيثة تسخرها للاطلاع على المجهول أو السيطرة على الحوادث والأشياء. ونبوءة الكهانة يغلب عليها أنها موكلة بالأرباب! لا تطيع الكاهن، ولكنها تلبي دعواته وصلواته وتفتح لها مغالق المجهول في يقظته أو منامه، وترشده بالعلامات والأحلام، ولا تلبي سائر الدعوات والصلوات! ولكنهما- نبوءة السحر ونبوءة الكهانة- تخالفان نبوة الجذب والجنون المقدس. لأن الساحر والكاهن يدريان بما يطلبان، ويريدان قصداً ما يطلبانه بالعزائم والصلوات، ولكن المصاب بالجذب أو الجنون المقدس مغلوب على أمره، ينطلق لسانه بالعبارات المبهمة وهو لا يعنيها، ولعله لايعيها. ويكثر بين الأمم التي تشيع فيها نبوة الجذب أن يكون مع المجذوب مفسر يدعي العلم بمغزى كلامه، ولحن رموزه وإشاراته. وقد كانوا في اليونان يسمون المجذوب مانتي Manti ويسمون المفسر: بروفيت Prophet أى المتكلم بالنيابة عن غيره. ومن هذه الكلمة نقل الأوربيون كلمة النبوة بجميع معانيها. وقلما يتفق الكهنة والمجذوبون، إلا أن يكون الكاهن متولياً للتفسير والتعبير عن مقاصد المجذوب، ومضامين رموزه وإشاراته.ويحدث في أكثر الأحيان أن يختلفا ويتنازعا لأنهما مختلفان بوظيفتهما الاجتماعية مختلفان بطبيعة النشأة والبيئة. فالمجذوب ثائر لا يتقيد بالمراسم والأوضاع المصطلح عليها، والكاهن محافظ يتلقى علمه الموروث في أكثر الأحيان من آبائه وأجداده. وتتوقف الكهانة على البيئة التي تنشأ فيها الهياكل والصوامع المقصودة في الأرجاء القريبة والبعيدة؛ ولا يتوقف الجذب على هذه البيئة، لأنه قد يعتري صاحبه في البرية، كما يعتريه في الحاضر المقصود من أطراف البلاد.وقد كثر عدد الأنبياء في قبائل بني إسرائيل كثرة يفهم منها أنهم كانوا في أزمنتهم المتعاقبة يشبهون في العصور الحديثة أصحاب الأذكار، ودراويش الطرق الصوفية، لأنهم جاوزوا المئات في بعض العهود، واصطنعوا من الرياضة في جماعاتهم ما يصطنعه هؤلاء الدراويش من التوسل إلى حالة الجذب تارة بتعذيب الجسد، وتارة بالاستماع إلى آلات الطرب.جاء في كتاب صموئيل الأول:أن شاول أرسل لأخذ داود رسلاً.. فرأوا جماعة الأنبياء يتنبأون، وشاول واقف بينهم رئيساً عليهم. فهبط روح الله على رسل شاول، فتنبأوا هم أيضاً. وأرسل غيرهم فتنبأ هؤلاء... فخلع هو أيضاً ثيابه، وتنبأ هو أيضاً أمام صموئيل، وانتزع عارياً ذلك النهار كله وكل الليل.وجاء في كتاب صموئيل كذلك:... أنك تصادف زمرة من الأنبياء نازلين من الأكمة، وأمامهم رباب ودف وناي وعود، وهم يتنبأون، فيحل عليهم روح الرب، فتتنبأ معهم، وتتحول إلى رجل آخر.وكانت النبوة صناعة وراثية يتلقاها الأبناء من الآباء كما جاء في سفر الملوك الثاني: إذ قال بنو الأنبياء يا ليشع: هو ذا الموضع الذي نحن مقيمون فيه أمامك قد ضاق علينا، فلنذهب إلى الأردن.وكانت لهم خدمة تلحق بالجيش في بعض المواضع، كما جاء في سفر الأيام الأول. حيث قيل: إن داود ورؤساء الجيش أفرزوا للخدمة بني أساف وغيرهم من المتنبئين بالعيدان والرباب والصنوج...وهكذا حفلت الجاهليات- ومنها الجاهليات التي انحرفت عن التصور الصحيح الذي جاءت به الرسالات السماوية- بمثل هذه التصورات الباطلة عن طبيعة النبوة وطبيعة النبي. وكان الناس ينتظرون ممن يدعي النبوة مثل هذه الأمور؛ ويطالبونه بالتنبؤ بالغيب تارة؛ وبالتأثير في النواميس الكونية عن طريق الكهانة أو طريق السحر تارة.. ومن هذا المعين كانت اقتراحات المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتصحيح هذه الأوهام كلها جاءت التقريرات المكررة في القرآن الكريم عن طبيعة الرسالة وطبيعة الرسول.. ومنها هذا التقرير:{قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليِّ.قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}..إنه صلى الله عليه وسلم يؤمر من ربه أن يقدم لهم نفسه بشراً مجرداً من كل الأوهام التي سادت الجاهليات عن طبيعة النبي والنبوة. وأن يقدم لهم كذلك هذه العقيدة بذاتها مجردة من كل إغراء.. لا ثراء. ولا ادعاء.. إنها عقيدة يحملها رسول، لا يملك إلا هداية الله، تنير له الطريق!
|